-->
تكنولوجيا التعليم تكنولوجيا التعليم
new
جاري التحميل ...
new

أسرار نجاح التعليم بفلندا: كل تلميذ يعتبر مهما


نواصل اكتشاف أسرار تفوق التعليم بفلندا،بعدما تحدثنا عن أسرار النجاح من حيث الأستاذ بعنوان أساتذة خبراء،ننتقل للحديث عن موقع التلميذ في المنظومة التعليمية بفلندا.
عند إصلاح النظام التعليمي الفرنسي من خلال إصدار قانون التوجيه 1989 كان السؤال المحرج الذي يؤرق المسؤولين عند صياغة الإصلاح هو :" الأولوية لمن؟ التلميذ أم المعارف ؟ "
لقد تبنت فنلندا بدون تردد الاختيار الأول :
أولا : كل تلميذ يعتبر مهما:
بل أكثر من ذلك أدرك النظام التربوي أن الكشف والتعرف على الحاجات الحقيقية لكل تلميذ هو مفتاح نجاح التعليم ،كما شكلت فكرة "إنماء تلميذ سعيد ، حر، ينشأ حسب إيقاعه الفردي" ، مبدءا أساسيا في توجيه العمل التربوي، كما جعلت فنلندا من احترام الفرد مبدءا موجها وراسخا في صنع القرار التربوي على جميع المستويات : الدولة ،الجماعات المحلية ،رؤساء المؤسسات ، الأساتذة.
ولقد تبنى كثير من رؤساء المؤسسات شعارا مفاده "أن كل تلميذ يعتبر مهما "

ثانيا:بيئة دافئة ومرحبة:
تعمل المدرسة الفنلندية على جعل المناخ داخل المؤسسة شبيها بالوسط المنزلي بحيث أن المدرسة تعتبر فضاء للحياة قبل كل شيء ، فضاء متسعا (65 متر مربع) بالنسبة لقسم في الإعدادية ، كما تشمل المدرسة أماكن متعددة ومختلفة للاستراحة، مع العلم انه يلاحظ انعدام أية مظاهر للتكسير أو التخريب مع الإشارة إلى المستوى الجيد للنظافة في مختلف المرافق.
من جهة أخرى وجب التذكير أن عدد تلاميذ المؤسسة لا يتعدى 400 تلميذ على المستوى الإعدادي و500 بالنسبة للثانوية التأهيلية مما يخلق جو القرب ويمكن المدير من معرفة جميع التلاميذ فردا، فردا.

بالنسبة لعلاقة الأساتذة مع التلاميذ فيطبعها الاحترام المتبادل واستعداد الأساتذة للتعاون والاستماع لتلامذتهم ومساعدتهم باستمرار، مما يكشف عن حب عميق يكنه الأساتذة لمؤسستهم ، في هذا السياق ومن ضمن المؤشرات التي تعتمدها المؤسسة في تقويم أدائها هو جودة شعور التلاميذ بوجودهم داخل المؤسسة، ويشمل هذا الشعور الإحساس بالاطمئنان، لذلك نجد التلاميذ يضعون دراجاتهم النارية بدون إقفالها كما يضع التلاميذ ملابسهم الواقية من البرد في الممرات دون تخوف من السرقة.
ولتوضيح مدى العناية بالطفل في المدرسة الفنلندية يكفي النظر إلى رياض الأطفال والمدارس الابتدائية حيث لا يتعدى عددهم في كل قسم 12طفلا تسهر عليهم ثلاث مربيات ومساعدة واحدة.

ثالثا:تكييف إيقاعات التعلمات مع الأطفال :
لا يبدأ الأطفال تعلم القراءة إلا عند سن السابعة ، قبل ذلك يتم التركيز فقط على تطوير الاستعداد والفضول والمهارات،
يخصص كل يوم لمادة معينة :الموسيقى، الرياضة ،أنشطة يدوية أو فنية ،اللغة الأم ، الرياضيات) وتتم عملية التحسيس صباحا، أما بعد الظهيرة فيخصص للعب .
وباختصار شديد فان تنظيم التعلمات يتم بدون عنف، بدون ضغط نفسي، وبدون إكراه مبالغ فيه ،مع العمل على إثارة الرغبة والتحفيز والاستماع الدائم لحاجات المتعلمين وبتنسيق دائم مع الآباء .

من جهة أخرى يمنع القانون التكرار ويمكن السماح به بشكل استثنائي بعد موافقة التلميذ والأسرة، في نفس الوقت يتميز النظام التعليمي بتوفره على نظام اليقظة الذي يمكن التلاميذ الذين يظهرون صعوبات في مادة دراسية ما من حصص للدعم مع تعيين إطار مساعد بالقسم لمساعدة هذه الفئة من التلاميذ.
إن المدرسة الفنلندية تحترم كثيرا الإيقاع البيولوجي للطفل بهدف تفادي أي إرهاق حتى حدود السن الإلزامي أي 16 سنة ، بحيث إن حصة الدرس لا تتعدى 45 دقيقة مع تخصيص 15 دقيقة للاستراحة بين كل حصة وأخرى تمنح فيها حرية تامة للتلاميذ لاسترجاع أنفاسهم (استعمال الحاسوب، الجلوس بقاعة مخصصة للراحة،الحضور إلى الممرات، مناقشة حرة الخ)
رابعا:اكتشاف مبكر لاضطرابات التعلم والمساعدات الضرورية
بهدف التكيف مع الحاجات الحقيقية للتلاميذ وضع النظام التربوي الفنلندي آليات للكشف عن الصعوبات التي يمكن أن تعترض المتعلمين، هكذا منذ رياض الأطفال يتم تمرير سلسلة من الروائز، وإذا ما تم كشف تلاميذ يعرفون صعوبات خاصة، فإنهم يوضعون في أقسام لا تتعدى خمسة أطفال ويشرف عليها أساتذة متخصصون، كما أن هذه الأقسام يتم دمجها في المدارس العادية ليتسنى لهذه الفئة من التلاميذ تعلم الاندماج.
خامسا:نسبة تأطير مرتفعة:
لا يتعدى عدد التلاميذ في القسم 25 تلميذا، وخلال الأشغال التطبيقية يمكن إحداث تفويج من 6 إلى 7 تلميذ ، هذا بالإضافة إلى وجود مساعدين داخل الفصل يلجأ إليهم التلاميذ عند الحاجة ، من جهة أخري تتوفر كل مؤسسة على موجه يتكفل ب200 تلميذ فقط حيث يتمكن من تقديم الإرشاد المستمر لهم كما يتعين على كل تلميذ الاتصال بالموجه مرتين في السنة ،في هذا السياق تساءل احد المديرين الفرنسيين عن سر هذا التأطير الجيد الذي تفتقر إليه فرنسا فوجد الجواب في تقدم اللامركزية وعدم توفر جهاز التفتيش وتقليص حجم الإدارة المركزية وغير ذلك من الإجراءات التي مكنت من دعم المؤسسة التعليمية في وسائلها المادية والبشرية .
سادسا:تلاميذ نشطاء ومنخرطون:
خلال كل زياراتي التي قمت بها لمختلف المؤسسات، لم أشاهد ولو درسا واحدا يقوم على الإلقاء،لقد رأيت دائما تلاميذ يمارسون أنشطة فردية أو جماعية ، رأيت أساتذة يعملون على تحفيز تلامذتهم أو ينتظرون مساعداتهم وبالتالي يعتبر الأستاذ كمورد من ضمن الموارد الأخرى، أما جدران الأقسام فكلها رفوف من كتب ومراجع ولا نجد قسما واحدا يخلو من التجهيزات :مسلاط ،حاسوب ، مسلاط الحاسوب ، تلفاز ،دفد .كل الوسائل التعليمية موضوعة رهن إشارة التلميذ " لكن دون إكراه بل يتحتم إعطاء فرص متعددة للتعلم واكتساب الكفايات" هكذا صرح لنا السيد "هانو نيومان" مدير" إعدادية بيلجوكي" وباختصار يتميز الفصل بروح تعاون عالية وكل واحد يساهم في بناء المعرفة بشكل جماعي .
•بعض الأمثلة :
درس في اللغة الفنلندية (20 تلميذا في القسم، السن 14 سنة، دراسة نص أدبي من كتاب من القرن السابع عشر ،الإخوة الثلاث) يذكر الأستاذ بفضل مسلاط تصميم الدرس بعد ذلك يطلب من التلاميذ قراءة فقرة من الكتاب ليقوم كل واحد منهم بعرضه على زملائه :يقوم التلاميذ ليأخذوا الكتاب من الرفوف ويبدؤون في العمل بهدوء قبل أن يتفضلوا بتقديم العرض بالتناوب أمام زملائهم .
درس في الانجليزية :يقوم تلميذ بتقديم عرض حول موضوع "سكييتskate" ويستعين بلوحة التزلج التي قام بإحضارها لهذا الغرض، بعد ذلك يعرض شريطا بالفيديو يظهر كثيرا من الحركات البهلوانية ، عند نهاية العرض يصفق التلاميذ تشجيعا لزميلهم وتبدأ المناقشة حول الموضوع.
درس في التاريخ :عشرون تلميذا جالسون في قاعة للرياضة يتابعون عرضا مجسدا لحادثة تاريخية خلال الحرب العالمية بين الصرب والكروات، بعد ذلك يقدم الأستاذ توجيهات ليطلب من التلاميذ انجاز أعمال في مجموعات،هكذا يعلق السيد المدير الفرنسي على هذا الواقع:"فعلا ،إننا نعرف منذ مدة الطرق التربوية النشيطة في فرنسا لكن ،لا يمكن التأكيد أنه تم تعميمها بالكامل. في الواقع كم هي عدد الدروس التي تقدم في شكل محاضرات تقليدية من طرف الأستاذ.
إن منطق التعليم في فنلندة يقوم بالأساس على مبدأ مساعدة التلميذ على التعلم، ودور الأستاذ هو التنظيم والمساعدة، في هذا السياق يمكن أن نقرأ في دليل كلية علوم التربية في فصل معنون : ماذا يقوم به الأستاذ الجيد " إذا كان المطلوب من الأستاذ التمكن من المضمون الدراسي، فما هو منتظر منه، هو خلق وضعيات تعلمية متنوعة ومحفزة في مناخ يطبعه التسامح والاحترام بعيدا عن ممارسة السلطة "
سابعا:تأطير حرية الاختيار:
من ضمن مبادئ النظام التربوي الفنلندي الهامش الواسع من الحرية الذي يمنح للتلاميذ و تتطور هذه الحرية حسب درجة نضجهم.
كما يتميز المنهاج الدراسي بكثير من المواد الاختيارية ويتنوع حسب السلك ، ويمكن هذا الاختيار ، على التربية على المسؤولية ، حيث يصل الحد بالنظام إلى تمكين التلاميذ من بناء المنهاج الذي يناسب كل واحد حسب اختياراته وتوجيهه وعلى سبيل المثال، من ضمن 75 وحدة دراسية التي تشكل مقرر السلك الثانوي، 45منها، هي ملزمة والباقي اختياري، من جهة أخرى يمكن لكل ثانوية أن تطور توجها خاصا بها إلى جانب النواة الصلبة من المنهاج الوطني، هكذا نجد مؤسسات تطور تدريس العلوم أو الموسيقى أكثر من أخرى، كما يمكن لبعض المؤسسات اقتراح دروس في خلق المقاولات قد تتيح فرص حقيقية للإنجاز في بعض الحالات مما لا يستثني فرص الربح المادي أحيانا ، هكذا يمكن اعتبار الاستقلالية الواسعة التي يتمتع بها التلاميذ في فنلندا من عوامل النجاح والتأهيل لضمان استمرارية الدراسة في التعليم العالي خلافا لما هو عليه الأمر في فرنسا حيث نسب الفشل في السنة الأولى.
الجزء الثالث سيكون حول النظام التقويمي الفلندي.


المصدر:بول روبرت ترجمة / أ. عبد اللطيف امحمد خطابي (بتصرف)
تكنولوجيا التعليم

بقلم :تكنولوجيا التعليم

هدفي من خلال القناة هو تأطير وتطوير إدماج تقنيات المعلومات والاتصال في التعليم،وقيمة الإنسان ليس بما يملك،بل إن قيمته فيما يقدم للآخرين.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

مرشدي في تعلم العربية

 

تصميم الموارد الرقمية

 

مدخل ‘لأى المونتاج

 

جديد سنة 2017

جميع الحقوق محفوظة

تكنولوجيا التعليم

2016