الابتكار ليس موهبة يولد بعض الناس بها ويفتقدها الآخرون ...
الابتكار أو الابتكارية أو التفكير الابتكاري نعمة من الله تعالى على الإنسان وهي أداته في عمارة الكون .
إعداد : محمود أحمد الرفاعي حسانين
الابتكار مفهوم يستعصي على التعريف فلا تجد له تعريفًا موحدًا أو متفقًا عليه بين الباحثين المهتمين بدراسته في أقطار الأرض شرقها وغربها فالبعض يراه تفكيرًا غير منطقي ( خارج الصندوق ) , والبعض يراه أن تفكر بالمستحيل كأن تضيء شمعة من الشمس, والبعض يراه تقديم منتج مفيد جديد فريد , والثقافة الغربية تراه تقديم منتجات تتميز بالجدة والنفعية للمجتمع والثقافة الشرقية تركز على العمليات العقلية المعرفية التي إن مارستها تعد مبتكرًا بغض النظر عن المنتج الذي ستقدمه , هذه ليست قضيتنا الآن موطن الشاهد أن المفهوم غير متفق عليه والسبب في ذلك هو أن ظاهرة الابتكار تشبه الروح الإنسانية نرى نتائجها من الحركة والسكون ولا نراها ولا نلمسها بشكل مباشر , حتى أن مشاهير العالم ممن قدمو منتجات تتصف بالابتكارية قد عجزو عن وصف لحظة الإشراق ( الاستبصار, التنوير ) بدقة , وهي اللحظة التي ساعدتهم في تقديم أعمالهم التي وصفها المجتمع بأنها مبتكرة .
وبما أننا قد اتفقنا على أن الابتكار مفهوم يستعصي على التعريف فإننا لن نتعب أنفسنا في تعريفه ولكن سنركز على مابعد التعريف وهو كيف نعدل وجهة تفكيرنا لنكون مبتكرين , ليكون أبنائنا مبتكرين, ليكون تلاميذنا مبتكرين , ليكون موظفونا مبتكرين تلك هي قضيتنا .
ولعل الأساليب الآتية تساعد كل مرب ومعلم ومهتم بالابتكار وتنميته في تنمية الابتكارية وجعلها ثقافة تعليمية , ثقافة مجتمعية , ثقافة مؤسسية وإليك عزيزي القارئ بعضًا من الأساليب:
- 1- اهتم بإعادة البرمجة العقلية
يجب تغيير مفهوم الابتكار القديم الذي تنشئت عليه الأجيال السابقة وهو أن الابتكار أمر لايصل إليه إلا فئة محدودة من البشر ولا يجيد التفكير الابتكاري سواهم وماعداهم غير مبتكرون , وذلك لأن الابتكار أو التفكير الابتكاري يعد سمة شخصية يحصل كل البشر على جزء منه, بعضهم يستغل قدراته العقلية والوجدانية والسلوكية في تحقيق هذه السمة والرقي بها , وبعضهم ارتضى لنفسى أن يظل مقتنعًا أنه لن يبتكر مهما فعل.
الابتكار كسمة لاينعدم لدى الأفراد يعني لا تستطيع الحكم على أي إنسان بأنه غير مبتكر وتنفي عنه سمة الابتكارية كلية, ولكن الصواب ومالا يدركه الكثيرون هو أننا جميعًا نمتلك الاستعداد الفطري الذي يجعلنا نفكر بشكل ابتكاري أو نقدم أعمالًا ابتكارية .
ولهذا يجب أن نعيد برمجة تفكيرنا وتفكير تلاميذنا وأبنائنا وموظفينا ليعمل في الاتجاه الصحيح وإلغاء فكرة أنه لن يكون مبتكرًا مهما فعل.
- 2- اهتم بإعادة البرمجة النفسية / الوجدانية
يحضرني قول نابليون هيل " احرق كل مراكب العودة بذلك فقط تحافظ على حالة ذهنية اسمها الرغبة الجامحة في النجاح اللازمة لإدراك أي نجاح "
نعم يجب أن يحرق الجميع مراكب العودة التي تكسر روح الابتكار وتحجم التفكير الابتكاري ومراكب العودة هي مبرراتك التي تجعلك تقبل الفشل وتستسلم له .
من يجيد التفكير الابتكاري يعرف طريقًا واحدًا فقط هو الطريق إلى الهدف الطريق إلى النجاح لا يعرف الاستسلام, قد يترك الفكرة لبعض الوقت يومًا, أسبوعًا , عامًا , عدة أعوام , لكنه لايتخلى عن العمل على الفكرة وخلق مسارات فكرية جديدة لم يتطرق إليها تفكيره , فيظل محافظًا على وقوده الوجداني ويقظته الذهنية ودافعيته الوجدانية لحين يستجمع قواه الذاتية؛ ليخوض جولة جديدة متجددة في التعامل مع الفكرة , ويظل هكذا يشعل دافعيته ويقوي من ثقته وإحساسه بإمكانية الوصول إلى الحل وإمكانية تقديم منتج جديد مفيد وإمكانية تحويل اتجاه التفكير في الاتجاه الأصوب.
ولهذا يجب زرع الثقة بالنفس في نفوس تلاميذنا وأبنائنا وموظفينا وعدم احتقار أفكارهم وعدم قمع أفكارهم غير المنطقية وغير المألوفة لنا , لايجب أن نستمر في دفع الناجح ليفشل , والاستماتة في دفن الفاشل تحت أنقاض الفشل حتى يموت تفكيره ويعجز وجدانه عن النهوض به مرة أخرى فيعيش كالجماد لاروح فيه..
ولا ننسى أن نزيد المكيال تشجيعًا وتحفيزًا لمن نجحو في الاحتفاظ بمفهومهم عن أنفسهم كمبتكرين أو مرتفعي الابتكارية ولا نخذلهم ولا نثبطهم ولانحاربهم حتى يلحقو بركب من فشلو , ويحضرني قول العالم المصري أحمد زويل الذي عايش التجربة فقال مقولته الشهيرة في هذا الشأن " الغرب ليسو عباقرة ونحن أغبياء , هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل ".
- 3- هيئ مناخ داعم للابتكارية
البذرة الصالحة التي لا يتواجد مناخ مناسب لنموها لن تنمو , وستظل تنتظر الفرصة حتى يجرفها الفيضان أو تحملها الريح لأرض خصبة لتنبت وتخرج الخير للجميع دون انتظار مقابل أو انتظار عطاء , هكذا ابنك تلميذك موظفك هو بذرة صالحة تحتاج فقط منك أن ترويها تعتني بها تمهد لها الأرض لتنمو وتترعرع وتثمر لك ولمن حولها أفضل الثمار , فلا تبخل على ابنك برحلة ولا على تلميذك بجولة ولا على موظفك بسفرية لمكان يشاهد فيه المعجزات التي يصنعها هذا العقل البشري دعه يتأمل كيف حقق الآخرون أحلامهم كيف وصلو إلى الشاطئ المقابل بعد إجهاد جهيد مع الرياح العاصفة والأمواج القاصفة.
لا تبخل على ابنك موظفك تلميذك بدورة في مجال اهتماماته ستجني الثمار ولو بعد حين , لاتبخل عليهم بكتاب ينمي مهاراتهم التي يحسنونها ويقوي وينمي مهارات جديدة لديهم, لا تكبت أحلامه , لاتسفه رأيه, لاتصفه بالمتهور والمندفع والمجنون فهو بحكم العلم لديه تعطش للمعرفة ظمأ إلى التنور , تلهف إلى البحث والاستقصاء , لاتحجمه , لا تقف حائلًا بينه وبين مخططاته هو , مخططاته التي يحلم بتنفيذها , حتما سيستطيع , يومًا سيصل , يومًا ستفتخر .
لاتكن الحاكم بأمره , لاتظن أن أحدًا قد ختم العلم وحققه , إن فعلت سيصاب فصلك مجتمعك عملك بالشلل التام في القريب العاجل لأنك قمت بجريمة لن تغفرها لنفسك ولن يغفرها لك تلاميذك أو موظفوك ,جريمتك أنك تسلطت على أفكارهم منعتهم من عصف الأفكار ,حولتهم إلى جمادات أو كيانات لاتعرف المقاومة لا تسعى ولا تبحث عن التغيير, حتمًا ستدفع الثمن غاليًا حينما تتأخر عن ركب حضارة أخرى جهدها الجهيد وسعيها الحثيث هو خلق مجتمعات داعمة للابتكارية, خلق مجتمعات منتجة لا مستهلكة.
- 4- ادعم التفكير الناقد ما استطعت
دعهم ينتقلون من الأسباب إلى النتائج , ومن النتائج للبحث عن المسببات , دعهم يقيمون الأوضاع والأفكار والأقوال دون حرج دون كبت دون تخوف, دعهم يضربون بعرض الحائط كل ما تعتقد في صحته دعهم يتوصلون إلى الحقيقة بعد بحث فخبراتك تختلف عن خبراتهم زمنك غير زمانهم هم غيرك وأنت غيرهم , مرتفع الابتكارية حساس للسياق , حساس للمشكلات , حسه التنبؤي مرتفع , يدرك التفاصيل بصورة كبيرة , يتشكك في كل مايسلم الجميع بصحته , لاشك أن هناك طرقًا لا طريقًا واحدًا , لاشك أنهم قد أخطأو لقصور الإمكانيات , لاشك أن بإمكاني أن أتحقق من نتائجهم بنفسي دون التسليم اليقيني بصحتها , هم كذلك لايعرفون حقيقة مطلقة , يختبرون كل شيء , يبحثون عن الحقيقة النسبية .
مدارسنا , شركاتنا , مجتمعاتنا يجب أن تنمي التفكير الناقد, فالرضا بالحال عند مرتفعي الابتكارية أمر محال , علمه أن يحكم , ينقد , يستنتج , يستنبط , يقيم , يبرهن , يقيم الحجة, يجادل , يطور , يراقب , يدقق , يتروى في الحكم .
أقولها لله سبب تخلفنا الكتاب المدرسي والكتاب الجامعي دعو الطلاب لاينصاعون لتفكيركم منذ اليوم الأول حتى التخرج دعوهم يبحثون عن الحقائق بأنفسهم دعوهم يتشككون دعوهم يجربون دعوهم يقتنعون لاتجبروهم في أنظمتكم التعليمية فيخرجو إلى المجتمع قوالب واحدة منمطين غير محبين للتجديد للاختراع لأن السلامة كما علمتموهم في اتباع مناهجكم في مسايرتكم في تنفيذ أوامركم, كفاكم قتلًا للأجيال القادمة بحبس تفكيرهم بين صفحات كتاب تقررونه دعوهم للعلم وهو سيربيهم , سيهذبهم سيقويهم , سينهض بهم ومن مقالتي المتواضعة هذه أدعو لإلغاء الكتب المدرسية والجامعية الكتاب المدرسي والجامعي عدو للابتكار , لأنه يبني الحدود والابتكار يهدم الحدود يتخطى الحواجز .
- 5- وفر الإمكانيات , وفر الأدوات , ارصد بعض الميزانيات
الابتكار يحتاج إلى الميزانيات , الأدوات , بعض الإمكانيات ولن يفلح مرب أو مدير أو رئيس لا يسخر بعض الموارد المادية للنهوض بمستوى الخريجين أو المواطنين أو الموظفين , فتحويل الأفكار من خيال إلى واقع يحتاج بعض التدابير وإلا لن تبزغ الفكرة وتظهر في الواقع ستظل حبيسة الأدراج , أسيرة الأرفف , تحمل التراب بدلًا من أن تحمل المجتمع إلى نور العلم والمعرفة والإنتاج , سيظل المجتمع ينظر لأصحاب الأفكار كمجانين لأنك لم توفر الإمكانيات , لم تذلل الصعوبات وأرسل هنا برقية مباشرة لحكامنا وكل من كان في موقع المسؤولية ابذل بعض المال لرفع كفاءة العاملين والموظفين والمتعلمين جرب , خاطر, دعم , كافئ , لاتوجه المال في التفاهات أعد ترتيب المقاعد أعد ترتيب أوجه الإنفاق ستصل إلى التفوق إذا ماسخرت المال للعلم, فالعلم يحتاج نفقات وطالبه يحتاج إلى نفقات, اهتم برواتب المعلمين ليتفرغو للمهام الموكلة إليهم ليفكرو, ليبتكرو ليدعمو الابتكار.
- 6- ارفض استهلاك المعارف والمنتجات
تعودنا على استهلاك المعرفة كماهي فكانت النتيجة أننا نقاوم إنتاج المعرفة , تعودنا على استهلاك المنتجات وقاومنا العمل والإنتاج والتعب وبذل الجهد .
الابتكار أداة الإنتاج وانظر حولك أي منتج كيف وصلك الالاف العقول والأيدي من كل دولة ليصلك وتستخدمه بكل أريحية حتى لاتبذل جهدًا في إعادة الهندسة وإعادة تقديمه في قالب جديد وانظر إلى الصين تفهم كلامي لاتوجد ماركة عالمية إلا وتصنعها الصين من باب إعادة الهندسة هكذا تفوقو وهكذا تخلفنا.
أبحاثنا إلا القليل نسخ لصق حتى الأفكار لانعيد صياغتها في قالب جديد من أين يأتي الابتكار طالما هذه منهجيتنا استهلاك في كل شيء عود ابنك موظفك شعبك أن ينتج يعيد الصياغة يقدم القديم في ثوب جديد , عوده أن يقدم كل جديد.
- 7- درب على الابتكار
توجد برامج كثيرة للتدريب على الابتكار ومنها أعمال دي بونو ( التفكير باستخدام القبعات الست , التفكير الجانبي ) أدوات بسيطة ستجعلك تفكر بطريقة ابتكارية , دع ابنك يجرب , دع التلميذ يخاطر , دع الموظف يقترح وينفذ , قبول المخاطرة العقلية شرط للابتكارية , يجب أن يتدرب الفرد على المخاطرة الذهنية أو العقلية لا يجب أن تجعله حبيس الأفكار التقليدية يجب أن يخاطر يجب أن يعرض نفسه إلى النقد , يجب أن ينقد , شجعه على المبادأة والمبادرة , ما يتم تدريبك عليه ستتقنه يداك وماسيتم تدريب عقلك عليه ستتقنه ملكاتك الفكرية .
- 8- قاوم الإحباط واقبل التحدي
سرعان مايتسرب الإحباط إلى الفرد حال وقفت المصاعب والعراقيل في طريقه فيترك أفكاره ويتخلى عنها سريعًا سريعًا , ومرتفع الابتكارية أكثر قدرة على مقاومة الإحباط بالرغم من كونه أكثر الأفراد تعرضا للإحباط بسبب عدم تقبل أفكاره عابرة المنطق وغير المألوفة للمحيطين الذي نمطو عقولهم في قالب مغلق ورفضو الخروج من هذا القالب.
مرتفع الابتكارية أكثر إصرارًا ومثابرة , ويقضي وقتًا كبيرًا في دراسته أو عمله يبذل جهودا مستمرة يعمل على مشكلاته ليل نهار يتركها لبعض الوقت حتى يعيد ترتيب الموقف لكنه لايكل ولايمل من العمل على ابتكاراته أو حل مشكلاته لأن يشعر بالتحدي يشعر بالرغبة الجامحة في الوصول إلى الحل , يتعطش إلى اكتشاف جديد لايقبل عقله بغير ذلك شعلة التحدي تملئ حياته دفئًا وتوقعه في الكثير من المشكلات المؤقته الناجمة عن مقاومة التغيير من المحيطين والمنتفعين بالوضع الحالي الذين ستتأثر مصالحهم بأفكاره الجديدة , المجددة للدماء في المجتمع.
- 9- لاتتخلى عن " كيف , ولماذا"
لاتتخلى عن التفكير في كيفية حدوث الأشياء ولماذا وجدت بصورتها الراهنة ولم توجد في صورة أخرى , ركز على حل المشكلات أكثر من تأملك لحجمها , تعرف على المسببات , النواتج , المقدمات , النتائج , اعبر المنطق تجاوزه فالابتكار عابر للمنطق .
ادعم مؤسستك بقدر كاف من الحرية أن يسألك كيف ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وأن يعارضك ويقول لماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ لاتكبت الأفكار فتنهار.
الأساليب كثيرة لكن أهمها أن تؤمن بأنك تستطيع بأنك ستجدها " وجدتها وجدتها "ستصل إليها مهما طال الوقت مهما كانت الصعوبات .
السادة المربون , المدراء , الوزراء , الرؤساء , الملوك , السلاطين العرب تمتلكون كنزًا لو أعطيتموه بعض الاهتمام لسدتم العالم تمتلكون موارد بشرية حباها الله إيمانًا وتقديسَا للعلم وأهله ولكنكم تهدرون هذه الثروات الفرصة لاتزال قائمة وهذه روشتة سريعة وأعدكم في ثوان سيتغير الحال من حال إلى حال .